أيهما أفضل لمستقبل مصر ؟
الرحيل المفاجئ للرئيس مبارك أم الاصلاح الذي يطالب به الشباب والقوي السياسية المختلفة وتعهد بتنفيذه الرئيس مبارك ونائبه عمر سليمان وبضمان القوات المسلحة التي يلتف حولها الجميع ؟!
في تصوري ان الإجابة عن السؤال الأخير هي التي تحسم الوضع وتقرر المصير, فمصلحة مصر وشعبها فوق كل اعتبار, ولذلك لابد أن يهدأ الجميع من عقلاء الأمة قليلا لتقدير ما هو الأفضل لمستقبل مصر بعيدا عن الآلام الشخصية, وتصفية الحسابات, والمحاولات الثأرية لهذا الطرف أو ذاك لأن مستقبل الشعب ومصلحة الوطن فوق الجميع.
الدستور الذي يحكم مصر الآن صدر عام1791, وأجريت عليه العديد من التعديلات أولها في مايو0891 حينما قام الرئيس الراحل أنور السادات بإلغاء المدة المقررة للرئيس لفترتين أملا في أن يستفيد من هذا الإلغاء لكن حادث المنصة كان أسرع, ثم أجريت عدة تعديلات أخري ابرزها ما حدث في تعديلات مايو عام5002, حينما ألغي الرئيس مبارك طريقة انتخاب رئيس الجمهورية بالاستفتاء وتعديلها الي الانتخاب المباشر, وفي عام7002 حدثت عدة تعديلات أخري مثيرة للجدل لكنها في مجملها كانت تعديلات سيئة, حيث ألغت الاشراف القضائي علي الانتخابات وهي التي كانت الضمانة الأساسية لنزاهة الانتخابات.
الدستور الحالي في مادته رقم28 أشار الي أنه اذا قام مانع مؤقت يحول دون مباشرة رئيس الجمهورية لاختصاصاته أناب عنه نائب رئيس الجمهورية أو رئيس مجلس الوزراء عند عدم وجود نائب لرئيس الجمهورية أو تعذر نيابته عنه, ولايجوز لمن ينوب عن رئيس الجمهورية طلب تعديل الدستور او حل مجلسي الشعب او الشوري او إقالة الوزارة, وفي المادة48 أكد الدستور أنه في حالة خلو منصب رئيس الجمهورية او عجزه الدائم عن العمل يتولي الرئاسة مؤقتا رئيس مجلس الشعب, واذا كان المجلس منحلا حل محله رئيس المحكمة الدستورية العليا, وذلك بشرط ألا يرشح أيهما للرئاسة مع التقيد بالحظر المنصوص عليه في الفقرة الثانية من المادة28, وهي الخاصة بعدم القدرة علي تعديل الدستور او حل مجلسي الشعب والشوري. هذا هو الدستور المصري الحالي الذي قد نرفض معظم مواده, لكنه يحكم مصر الآن, واذا أردنا السير بشكل دستوري فلابد من إتباعه في طلب التعديلات التي نرغبها.. أما غير ذلك فهو يبعد عن الدستور ويدخلنا في دوامة أخري أقلها يمكن أن يكون انقلابا عسكريا يعيدنا الي المربع صفر ويجهض انتفاضة الشباب, ولا أحد علي وجه اليقين يمكن أن يتنبأ بالسيناريو المستقبلي فيما لو حدث- لاقدر الله- هذا الانقلاب العسكري, حتي لو تم تسميته بالثورة, وأنه جاء استجابة لمطالب الجماهير وتحقيقا لأحلامها, ويتم اغتيال الدستور والقانون, علي أمل اعداد دستور جديد, لنبدأ من أول السطر وننتظر أن يأتي سوار ذهب جديد- قائد الانقلاب السوداني- وقد لايأتي هذا الذي نتمناه وندخل في دوامة غير مأمونة العواقب, وأظن أن الكثيرين من الراغبين في سيناريو الرحيل يرفضون سيناريو الانقلاب العسكري, لكنهم لايملكون سيناريو آخر يمكن الاعتداد به او الوقوف بجانبه. تجربة الانقلابات العسكرية- حتي وأن تم تغليفها بالثورات- تجارب غير مجدية ولو أن ثورة2591 احترمت الدستور وارتضت بدستور4591 لكان حالنا الآن غير الذي نحن فيه, وكذا الحال في كل الدول العربية التي بدأت فيها الثورات بانقلابات عسكرية, لكنها تحولت الي ديكتاتوريات سياسية. ارهاصات انتفاضة الشباب بدأت منذ فترة طويلة من خلال الاعتصامات والاضرابات التي شهدتها مصر خلال السنوات الخمس الأخيرة, لكن القيادات أغلقت آذانها, ولم تسمع إلا أصوات شلل الانتهازيين واصحاب المصالح لينتهي الأمر الي المشهد الذي نعيشه الآن. عموما ما كان لن يعود, ومصر أتغيرت, والشعب نضج بما فيه الكفاية, وهذا أكبر ضمان للإلتزام بالاصلاحات التي تم الاتفاق عليها من جانب القوي السياسية, فالشعب لن يقبل بالنكوص عن خطوات الاصلاح مهما يكن الثمن, كما أن المدة الزمنية القصيرة المتبقية علي انتخابات الرئاسة ضمانة أخري, حيث لايتبقي علي تلك الانتخابات أكثر من7 شهور والمعروف انه يتم الاعداد للانتخابات قبلها بنحو شهرين.. أي اننا نتحدث في نحو5 شهور فقط لابد ان يتم إنجاز التعديلات الدستورية المقترحة فيها, وكذا اعادة الانتخابات في الدوائر التي بها بطلان انتخابات, او احكام نقض بالتزوير, ومعني ذلك أن المدة الزمنية المتبقية تحتاج الي انجاز سريع وملموس يوميا لاينفع معه التكاسل او الاعتماد علي النسيان وضياع القضية. هي فرصة فقط لالتقاط الانفاس ليبدأ العمل بأقصي سرعة ممكنة طبقا لتوقيتات زمنية محددة وفي اطار من الشفافية والوضوح وبتوافق القوي الوطنية جميعها دون اقصاء او استبعاد أحد; ليبدأ عصر جديد من الديمقراطية الحقيقية بعيدا عن محاولات ركوب الموجة من جانب البعض او تحويل مستقبل مصر الي مغامرة غير محددة المعالم قد تضر أكثر مما تفيد.